الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
فائدة: الدُّخُولُ في الْوَصِيَّةِ للقوى عليها قُرْبَةٌ. وقال في المغنى قِيَاسُ مَذْهَبِهِ أَنَّ تَرْكَ الدُّخُولِ أَوْلَى انْتَهَى. قُلْت وهو الصَّوَابُ لَا سِيَّمَا في هذه الْأَزْمِنَةِ.
تنبيه: شَمِلَ قَوْلُهُ (تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إلَى كل مُسْلِمٍ عَاقِلٍ عَدْلٍ). الْعَدْلُ الْعَاجِزُ إذَا كان أَمِينًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ. قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ إجْمَاعًا. لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِطَرَيَانِ الْعَجْزِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وقال في التَّرْغِيبِ لَا تَصِحُّ وَاخْتَارَ ابن عقِيلٍ إبْدَالَهُ. وقال في الْكَافِي لِلْحَاكِمِ إبْدَالُهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كان عَبْدًا). تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْعَبْدِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ وَمَنْ بَعْدَهُ. وَتَصِحُّ إلَى عبد نَفْسِهِ قَالَه ابن حَامِدٍ. وَتَابَعَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَطَعَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ هذا مَذْهَبُنَا. قال في الْفُرُوعِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى رَشِيدٍ عَدْلٍ وَلَوْ رَقِيقٌ. قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ يَقْتَضِي ذلك.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْعَدْلِ الْعَدْلَ مُطْلَقًا فَيَشْمَلُ مَسْتُورَ الْحَالِ وهو الْمَذْهَبُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعَدْلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وهو قَوْلٌ في الْمَذْهَبِ. الثَّانِي ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ صِحَّةِ وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ إلَى كَافِرٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ في تَعْلِيقِهِ ما يَدُلُّ على أَنَّهُ اخْتَارَ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (أو مُرَاهِقًا). قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُرَاهِقِ وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. قال الْقَاضِي قِيَاسُ الْمَذْهَبِ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ إلَى الْمُمَيِّزِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابن منجا وَمُنْتَخَبِ الأدمى. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ قال هذا كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ. قال الْحَارِثِيُّ هو قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إلَيْهِ حتى يَبْلُغَ وهو الْمَذْهَبُ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ. قال في الْوَجِيزِ مُكَلَّفٌ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّظْمِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. قال في الْكَافِي وفي الْوَصِيَّةِ إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَجْهَانِ.
تنبيه: ظَاهِرُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْمُرَاهِقِ أنها لَا تَصِحُّ إلَى مُمَيِّزٍ قبل أَنْ يُرَاهِقَ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ تَصِحُّ قَالَهُ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ. قال الْقَاضِي هذا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ كما تَقَدَّمَ. وَيَأْتِي هل يَصِحُّ أَنْ يُوصَى إلَيْهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ قبل أَنْ يَبْلُغَ وهو الوصى الْمُنْتَظَرُ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى السَّفِيهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ تَصِحُّ. الثَّانِيَةُ لَا نَظَرَ لِحَاكِمٍ مع وصى خَاصٍّ إذَا كان كُفُؤًا في ذلك. قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ حُجَّةٍ أَنَّ وِلَايَةَ إخْرَاجِهَا وَالتَّعْيِينَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا للولى الْعَامِّ الِاعْتِرَاضُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أو فِعْلِهِ مُحَرَّمًا. قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ لَا نَظَرَ وَلَا ضَمَّ مع وصى مُتَّهَمٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ في نَاظِرِ الْوَقْفِ في كِتَابِ الْوَقْفِ. وَنَقَل ابن مَنْصُورٍ إذَا كان الوصى مُتَّهَمًا لم تَخْرُجْ من يَدِهِ وَيُجْعَلُ معه آخَرُ. وَنَقَلَ يُوسُفُ بن مُوسَى إنْ كان الوصى مُتَّهَمًا ضُمَّ إلَيْهِ رَجُلٌ يَرْضَاهُ أَهْلُ الْوَقْفِ يَعْلَمُ ما جَرَى وَلَا تُنْزَعُ الْوَصِيَّةُ منه. ثُمَّ إنْ ضَمَّهُ بِأُجْرَةٍ من الْوَصِيَّةِ تَوَجَّهَ جَوَازُهُ وَمِنْ الوصى فيه نَظَرٌ بِخِلَافِ ضَمِّهِ مع فَاسِقٍ قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إلي غَيْرِهِمْ). قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أنها لَا تَصِحُّ إلَى فَاسِقٍ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. منهم الْقَاضِي وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ منهم الشَّرِيفُ وأبو الْخَطَّابِ في خِلَافَيْهِمَا. وَالشِّيرَازِيُّ وابن عَقِيلٍ في التَّذْكِرَةِ وابن الْبَنَّا وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ إلَى الْفَاسِقِ وَيَضُمُّ إلَيْهِ الْحَاكِمُ أَمِينًا. قَالَهُ الخرقى وابن أبي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وَهَذَا من غَيْرِ الْغَالِبِ الذي قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. قال الْقَاضِي هذه الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ على من طَرَأَ فِسْقُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ تَصِحُّ إلَى الْفَاسِقِ إذَا طَرَأَ عليه وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ إلَيْهِ من غَيْرِ ضَمِّ أَمِينٍ حَكَاهَا أبو الْخَطَّابِ في خلافة. قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا. قال في الْخُلَاصَةِ وَيُشْتَرَطُ في الوصى الْعَدَالَةُ. وَعَنْهُ يُضَمُّ إلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ. وَيَأْتِي هل تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى الْكَافِرِ في آخِرِ الْبَابِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانُوا على غَيْرِ هذه الصِّفَاتِ ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَهَلْ تَصِحُّ على وَجْهَيْنِ). وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَالزَّرْكَشِيِّ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. أعلم أَنَّ في هذه الْمَسْأَلَةِ أَوْجُهًا. أَحَدُهَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ هذه الصِّفَاتِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَوْتِ وما بَيْنَهُمَا. وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ وَقَوْلٌ في الْفُرُوعِ وَوَجْهٌ لِلْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ. وَالثَّانِي يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَقَطْ وهو أَحَدُ وَجْهَيْ الْمُصَنِّفِ. صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ. وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةِ فَقَطْ وهو الْمَذْهَبُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ ابن عبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ. وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. وَيَحْتَمِلُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي لِلْمُصَنِّفِ. وَالرَّابِعُ يَكْفِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَقَطْ وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ وَتَخْرِيجٌ في الْفَائِقِ. وهو ظَاهِرُ ما قَدَّمَهُ في تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَيُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. قال في الرِّعَايَةِ وَمَنْ كان أَهْلًا عِنْدَ مَوْتِ الموصى لَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ فَوَجْهَانِ وَمَنْ كان أَهْلًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِ فَزَالَتْ عِنْدَ مَوْتِ الموصى بَطَلَتْ. قُلْت وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ. فَإِنْ كان أَهْلًا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ زَالَتْ ثُمَّ عَادَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ وَفِيهَا احْتِمَالٌ كما لو زَالَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ ثُمَّ عَادَتْ انْتَهَى. قَوْلُهُ (وإذا أوصي إلَى وَاحِدٍ وَبَعْدَهُ إلَى آخَرَ فَهُمَا وَصِيَّتَانِ). نَصَّ عليه. (إلَّا أَنْ يَقُولَ قد أَخْرَجْت الْأَوَّلَ) نَصَّ عليه. (وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذلك إلَيْهِ). نَصَّ عليه وَذَكَرَ الْحَارِثِيُّ ما يَدُلُّ على رِوَايَةٍ بِالْجَوَازِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا جَعَلَ النَّظَرَ في الْوَقْفِ لِاثْنَيْنِ أو كان لَهُمَا بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ في كِتَابِ الْوَقْفِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَيَرْجِعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهَذَا يُشْبِهُ ذلك.
فائدة: لو وَصَّى إلَى اثْنَيْنِ في التَّصَرُّفِ وَأُرِيدَ اجْتِمَاعُهُمَا على ذلك. قال الْحَارِثِيُّ من الْفُقَهَاءِ من قال ليس الْمُرَادُ من الِاجْتِمَاعِ تَلَفُّظُهُمَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ بَلْ الْمُرَادُ صُدُورُهُ عن رَأْيِهِمَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بين أَنْ يُبَاشِرَ أَحَدُهُمَا أو الْغَيْرُ بِإِذْنِهِمَا ولم يُخَالِفْ الْحَارِثِيُّ هذا الْقَائِلَ. قُلْت وهو الظَّاهِرُ وَأَنَّهُ يَكْفِي إذْنُ أَحَدِهِمَا الْوَكِيلَ في صُدُورِ الْعَقْدِ مع حُضُورِ الْآخَرِ وَرِضَاهُ بِذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الِاثْنَيْنِ كما هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْحَاكِمُ مقامة أَمِينًا). وَكَذَا لو وَجَدَ ما يُوجِبُ عزلة بِلَا نِزَاعٍ. قال الْمُصَنِّفُ أو غَابَ لَكِنْ لو مَاتَا أو وُجِدَ مِنْهُمَا ما يُوجِبُ عَزْلَهُمَا فَفِي الإكتفاء بِوَاحِدٍ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالزَّرْكَشِيِّ. قال في الْفَائِقِ وَلَوْ مَاتَا جَازَ إقامه وَاحِدٍ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُمَا ما يُوجِبُ عَزْلَهُمَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ بَدَلَهُمَا وَاحِدًا في الْأَصَحِّ. وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِنْ مَاتَا جَازَ أَنْ يُقِيمَ الْحَاكِمُ وَاحِدًا في الْأَصَحِّ. قال ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ فَإِنْ تَغَيَّرَ حَالُهُمَا فَلَهُ نَصْبُ وَاحِدٍ. وَقِيلَ لَا يَنْصِبُ إلَّا اثْنَيْنِ.
تنبيه: هذه الْأَحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ إذَا لم يَجْعَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا. فَأَمَّا إنْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا كما صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أو خَرَجَ من أَهْلِيَّةِ الْوَصِيَّةِ لم يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عن التَّصَرُّفِ وَحْدَهُ. وَإِنْ مَاتَا مَعًا أو خَرَجَا من الْوَصِيَّةِ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُقِيمَ وَاحِدًا. وَلَوْ حَدَثَ عَجْزٌ لِضَعْفٍ أو عِلَّةٍ أو كَثْرَةِ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ ولم يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ جَزَمَ بِهِ في المغنى وَالشَّرْحِ. قال ابن رَزِينٍ ضُمَّ إلَيْهِ أَمِينٌ ولم يَنْعَزِلْ إجْمَاعًا. وَقِيلَ له ذلك وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ إنْ فَسَقَ). يَعْنِي أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا وَيَنْعَزِلُ. فَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صُورَتَيْنِ. إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ وَصِيًّا مُنْفَرِدًا. الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى وصى آخَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ هذا مبنى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ من أَنَّ الْفَاسِقَ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَيْهِ وَيَنْعَزِلُ إذَا طَرَأَ عليه الْفِسْقُ كما تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عليه. وَعَنْهُ يُضَمُّ إلَيْهِ أَمِينٌ. قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ كما تَقَدَّمَ. وَقِيلَ يُضَمُّ إلَيْهِ هُنَا أَمِينٌ وَإِنْ أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ إلَى الْفَاسِقِ لِطَرَيَانِهِ. اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ كما تَقَدَّمَ.
فوائد: لو وَصَّى إلَيْهِ قبل أَنْ يَبْلُغَ لِيَكُونَ وَصِيًّا بَعْدَ بُلُوغِهِ أو حتى يَحْضُرَ فُلَانٌ أو إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَفُلَانٌ وصى صَحَّ وَيَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا عِنْدَ الشَّرْطِ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَيُسَمَّى الوصى الْمُنْتَظَرَ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ لو أَوْصَى إلَى الْمُرْشِدِ من أَوْلَادِهِ عِنْدَ بُلُوغِهِ فإن الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَيُسَمَّى الوصى الْمُنْتَظَرَ انْتَهَى. وَكَذَا لو قال أَوْصَيْت إلَيْهِ سَنَةً ثُمَّ إلَى فُلَانٍ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ أَمِيرُكُمْ زَيْدٌ فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرٌ فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّه ابن رَوَاحَةَ وَالْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ. قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَا. يَعْنِي لَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ كَالتَّأْمِيرِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِنَابَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ كَالْوَكَالَةِ في الْحَيَاةِ. وَلِهَذَا هل لِلْوَصِيِّ أَنْ يوصى وَيَعْزِلَ من وَصَّى إلَيْهِ. وَلَا تَصِحُّ إلَّا في مَعْلُومٍ وللوصى عزلة وَغَيْرُ ذلك كَالْوَكِيلِ. فَلِهَذَا لَا يُعَارِضُ ذلك ما ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ إذَا قال الْخَلِيفَةُ الْإِمَامُ بَعْدِي فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فَفُلَانٌ في حَيَاتِي أو إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ فَالْخَلِيفَةُ فُلَانٌ صَحَّ. وَكَذَا في الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. وَإِنْ قال فُلَانٌ وَلِيُّ عَهْدِي فَإِنْ ولى ثُمَّ مَاتَ فَفُلَانٌ بَعْدَهُ لم يَصِحَّ لِلثَّانِي. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إذَا ولى وَصَارَ إمَامًا حَصَلَ التَّصَرُّفُ وَبَقِيَ النَّظَرُ وَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ فَكَانَ الْعَهْدُ إلَيْهِ فِيمَنْ يَرَاهُ. وفي التي قَبْلَهَا جَعَلَ الْعَهْدَ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ أو تَغَيَّرَ صِفَاتُهُ في الْحَالَةِ التي لم يَثْبُتْ لِلْمَعْهُودِ إلَيْهِ إمامه. قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ هذا أَنَّهُ لو عَلَّقَ ولى الْأَمْرِ وِلَايَةَ حُكْمٍ أو وَظِيفَةٍ بِشَرْطِ شُغُورِهَا أو بِشَرْطٍ فَوَجَدَ الشَّرْطَ بَعْدَ مَوْتِ ولى الْأَمْرِ وَالْقِيَامِ مَقَامَهُ أَنَّ وِلَايَتَهُ تَبْطُلُ وَأَنَّ النَّظَرَ وَالِاخْتِيَارَ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَصْحَابَ اعْتَبَرُوا وِلَايَةَ الْحُكْمِ بِالْوَكَالَةِ في مَسَائِلِ وَأَنَّهُ لو عَلَّقَ عِتْقًا أو غَيْرَهُ بِشَرْطٍ بَطَلَ بِمَوْتِهِ. قالوا لِزَوَالِ ملكة فَتَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ. قال في المغنى وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ يَقْتَضِي الْحَيَاةَ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ صِحَّةُ وِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالْوَظَائِفِ بِشَرْطِ شُغُورِهَا أو بِشَرْطٍ إذَا وُجِدَ ذلك قبل مَوْتِ ولى الْأَمْرِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ (وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ في حَيَاةِ الموصى وَبَعْدَ مَوْتِهِ). بِلَا نِزَاعٍ وَتَقَدَّمَ صِفَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. قَوْلُهُ (وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ). هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قال في الْقَاعِدَةِ السِّتِّينَ أَطْلَقَ كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّ له الرَّدَّ بَعْدَ الْقَبُولِ في حَيَاةِ الموصى وَبَعْدَهُ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ وَنَصَرَهُ. وَقِيلَ له ذلك إنْ وُجِدَ حَاكِمٌ وَإِلَّا فَلَا وَنَقَلَهُ الْأَثْرَمُ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ. وَعَنْهُ ليس له ذلك بَعْدَ مَوْتِهِ بحال [بحاله] وَلَا قَبْلَهُ إذَا لم يَعْلَمْهُ بِذَلِكَ. وَعَنْهُ ليس له ذلك بَعْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَهَا ابن أبي موسى قَالَهُ في الْفُرُوعِ. قال في الْقَوَاعِدِ وَحَكَى ابن أبي موسى رِوَايَةٌ ليس له الرَّدُّ بِحَالٍ إذَا قَبِلَهَا. وَمِنْ الْأَصْحَابِ من حَمَلَهَا على ما بَعْدَ الْمَوْتِ. وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي في خِلَافِهِ صَرِيحًا في الْحَالَيْنِ. قَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يوصى إلَّا أَنْ يُجْعَلَ ذلك إلَيْهِ. وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ. قال الشَّارِحُ وهو الظَّاهِرُ من قَوْلِ الخرقى. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قال الْحَارِثِيُّ هذا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ هذا الْمَذْهَبُ وهو أَصَحُّ انْتَهَى. قال في الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ أَشْهَرُهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ. قال الْحَارِثِيُّ لو غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُسْنِدُ إلَى من ليس أَهْلًا أو أَنَّهُ ظَالِمٌ اتَّجَهَ جَوَازُ الْإِيصَاءِ قَوْلًا وَاحِدًا بَلْ يَجِبُ لِمَا فيه من حِفْظِ الْأَمَانَةِ وَصَوْنِ الْمَالِ عن التَّلَفِ وَالضَّيَاعِ انْتَهَى. وَعَنْهُ له ذلك وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ. وَيَكُونُ الثَّانِي وَصِيًّا لَهُمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ منهم صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو مُشْكِلٌ. وقال الْقَاضِي يَكُونُ الثَّانِي وَصِيًّا عن الْأَوَّلِ فَلَوْ طَرَأَ لِلْأَوَّلِ ما يُخْرِجُهُ عن الْأَهْلِيَّةِ انْعَزَلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ فَرْعُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي والمغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْقَوَاعِدِ في الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالسِّتِّينَ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ. وَقِيلَ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ. وقال في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ مِثْلُهُ. فَاخْتَلَفَ نَقْلُهُ في مَحَلِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي في أَرْكَانِ النِّكَاحِ هل للوصى في النِّكَاحِ أَنْ يوصى بِهِ.
فائدة: إنْ نَهَاهُ الموصى [الوصي] عن الْإِيصَاءِ لم يَكُنْ له أَنْ يوصى وَلَهُ أَنْ يوصى إلَى غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فِيمَا وَصَّاهُ بِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ ليس له ذلك. وَقِيلَ إنْ أُذِنَ له في الْوَصِيَّةِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا جَوَازُ تَوْكِيلِ الوصى فَقَدْ تَقَدَّمَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ الْوَكَالَةِ.
تنبيه: شَمِلَ قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا في مَعْلُومٍ يَمْلِكُ الموصى فِعْلَهُ). الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ وَلَوْ كانت صَغِيرَةً وهو صَحِيحٌ وَلَهُ إجْبَارُهَا كَالْأَبِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَذَلِكَ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَالْخِلَافُ فيه. قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ في الْوَصِيَّةِ بِالنِّكَاحِ وَعَلَى هذا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْخِلَافَةِ من الْإِمَامِ وَبِهِ قال الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قُلْت وَقَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ.
تنبيه: آخَرُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالنَّظَرُ في أَمْرِ الْأَطْفَالِ). أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَهُ وَصِيًّا على الْبَالِغِ الرَّشِيدِ من أَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ من الْوُرَّاثِ وهو صَحِيحٌ. وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مع بُلُوغِ الْوَارِثِ رُشْدَهُ وَلَوْ مع غَيْبَتِهِ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ يَمْلِكُ الموصى فِعْلَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِمَا لَا يَمْلِكُ فِعْلَهُ وهو صَحِيحٌ. فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَرْأَةِ بِالنَّظَرِ في حَقِّ أَوْلَادِهَا الْأَصَاغِرِ وَنَحْوِ ذلك. قَالَهُ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وإذا أَوْصَى بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ فَأَبَى الْوَرَثَةُ إخْرَاجَ ثُلُثِ ما في أَيْدِيهِمْ). وَكَذَا لو جَحَدُوا ما في أَيْدِيهِمْ. (أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا في يَدِهِ). وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ ابن رزين. وَعَنْهُ يُخْرِجُ ثُلُثَ ما في يَدِهِ وَيَحْبِسُ بَاقِيَهُ لِيُخْرِجُوا ثُلُثَ ما مَعَهُمْ. وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ. وَذَكَرَ أبو بَكْرٍ في التنبية أَنَّهُ لَا يَحْبِسُ الْبَاقِي بَلْ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ وَيُطَالِبُهُمْ بِثُلُثِ ما في أَيْدِيهِمْ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفُرُوعِ. قال الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ على إختلاف حَالَيْنِ فَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ على ما إذَا كان الْمَالُ جِنْسًا وَاحِدًا وَالثَّانِيَةُ مَحْمُولَةٌ على ما إذَا كان الْمَالُ أَجْنَاسًا فإن الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِثُلُثِ كل جِنْسٍ. وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ إنْ كانت التَّرِكَةُ جِنْسًا وَاحِدًا أَخْرَجَ الثُّلُثَ كُلَّهُ مِمَّا معه وَإِلَّا أَخْرَجَ ثُلُثَهُ فَقَطْ.
فائدة: لو ظَهَرَ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ أو جُهِلَ مُوصًى له فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الثُّلُثِ هو أو حَاكِمٌ ثُمَّ ثَبَتَ ذلك لم يَضْمَنْ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى قُلْت بَلْ يَرْجِعُ بِهِ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ وَعَنْهُ يَضْمَنُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ فَأَبَى ذلك الْوَرَثَةُ قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ). يَعْنِي إذَا جَحَدُوا الدَّيْنَ وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ أو أَبَوْا الدَّفْعَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالنَّظْمِ. قال ابن مُنَجَّا هذا الْمَذْهَبُ. وَعَنْهُ لَا يَقْضِيهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ إلَّا ببينه. وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وقال في الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَقْضِيهِ إنْ أَذِنَ له فيه حَاكِمٌ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْهِدَايَةِ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ. وَعَنْهُ فِيمَنْ عليه دَيْنٌ لِمَيِّتٍ وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أنه يقضى دَيْنَ الْمَيِّتِ إنْ لم يَخَفْ تَبِعَةً. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عَامَّةٌ في الْمُوصَى إلَيْهِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ كان الذي عليه الدَّيْنُ غَيْرُ الْمُوصَى إلَيْهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ الذي له الدَّيْنُ عليه دَيْنٌ لِآخَرَ وَجَحَدَهُ الْوَرَثَةُ فَقَضَاهُ مِمَّا عليه فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. إحْدَاهُنَّ هذه أَعْنِي يَقْضِيهِ إنْ لم يَخَفْ تَبِعَةً. وَالثَّانِيَةُ لَا يَقْضِيهِ وَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ قَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ. وَالثَّالِثَةُ يَبْرَأُ بِالدَّافِعِ بِالْقَضَاءِ بَاطِنًا. وَوَهَى هذه الرِّوَايَةَ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُنَّ في الْفَائِقِ وَأَطْلَقَ الْأَخِيرَتَيْنِ في الْفُرُوعِ. وَقَدَّمَ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ جَوَازَ قَضَائِهِ مُطْلَقًا في الْبَاطِنِ.
فائدة: لو أَقَامَ الذي له الْحَقُّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِحَقِّهِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوصَى إلَيْهِ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِلَا حُضُورِ حَاكِمٍ فيه رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ. لَكِنْ جَعَلَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ في جَوَازِ الدَّفْعِ لَا في لُزُومِ الدَّفْعِ. قال ابن أبي الْمَجْدِ في مُصَنَّفِهِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ بِدُونِ حُضُورِ حَاكِمٍ على الْأَصَحِّ. وَقَدَّمَه ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ.
فائدة: يَجُوزُ لِمَنْ عليه دَيْنٌ لِمَيِّتٍ أَنْ يَدْفَعَ إلَى من أَوْصَى له بِهِ إذَا كان مُعَيَّنًا وإن شَاءَ دَفَعَهُ إلَى وصى الْمَيِّتِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمُوصَى له بِهِ وهو أَوْلَى. فَإِنْ لم يُوصِ بِهِ وَلَا بِقَبْضِهِ عَيْنًا لم يَبْرَأْ إلَّا بِدَفْعِهِ إلَى الْمُوصَى إلَيْهِ وَالْوَارِثِ مَعًا. وَقِيلَ أو الْمُوصَى إلَيْهِ بِقَبْضِ حُقُوقِهِ. وهو احْتِمَالٌ في الرِّعَايَةِ. وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ وَقِيلَ أو لِغَيْرِهِ في جِهَتِهِ لم يَضْمَنْهُ. وَإِنْ وَصَّاهُ بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ دَيْنًا بِيَمِينِهِ نَفَّذَهُ من رَأْسِ مَالِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَقَل ابن هَانِئٍ بِبَيِّنَةٍ وَنَقَلَهُ عبد اللَّهِ. وَنَقَلَ عبد اللَّهِ أَيْضًا يُقْبَلُ مع صِدْقِ المدعى.
تنبيه: قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إلَى مُسْلِمٍ). بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ في تَرِكَتِهِ خَمْرٌ وَلَا خِنْزِيرٌ. قَوْلُهُ (وَإِلَى من كان عَدْلًا في دِينِهِ). يَعْنِي أَنَّ وَصِيَّةَ الْكَافِرِ إلَى كَافِرٍ تَصِحُّ إذَا كان عَدْلًا في دِينِهِ وهو الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ ابن عبْدُوسٍ وَمُنْتَخَبِ الأزجى. وَقَدَّمَه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ. قال الْحَارِثِيُّ الْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قال الْمَجْدُ وَجَدْته بِخَطِّهِ وَقِيلَ لَا تَصِحُّ. قال في الْمُسْتَوْعِبِ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَى كَافِرٍ. قال في الْمُذْهَبِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا إلَى مُسْلِمٍ. وَكَذَا هو ظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْهِدَايَةِ. وأطلقهما في الْفُصُولِ وَالْكَافِي والمغنى وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالزَّرْكَشِيِّ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لو كان غير عَدْلٍ في دِينِهِ أَنَّ فيه الْخِلَافَ الذي في الْمُسْلِمِ. قَوْلُهُ (وإذا قال ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت أو أَعْطِهِ من شِئْت لم يَجُزْ له أَخْذُهُ وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ). هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في المغنى وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ في الْوَلَدِ. وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذلك لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ له وَيُحْتَمَلُ جَوَازُ ذلك مع الْقَرِينَةِ فَقَطْ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَجْدُ جَوَازَ دَفْعِهِ إلَى وَلَدِهِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. قال في الْمُحَرَّرِ وَمَنَعَهُ أَصْحَابُنَا.
تنبيه: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لم يَجُزْ له أَخْذُهُ وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ جَوَازُ أَخْذِ وَالِدِهِ وَأَقَارِبِهِ الْوَارِثِينَ سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أو فُقَرَاءَ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْدِ. قال الْحَارِثِيُّ وهو الْمَذْهَبُ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ نَصَّ عليه كَوَلَدِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ. وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى ابْنِهِ فَقَطْ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يعطي الْوَلَدُ وَلَا الْوَالِدُ منهم صَاحِبُ النَّظْمِ. وَذَكَرَ ابن رزين في مَنْعِ من يَمُونُهُ وَجْهًا.
فائدة: قال في الْفَائِقِ وَلَيْسَ له دَفْعُهُ إلَى وَرَثَةِ الموصى ذَكَرَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِ الْهِدَايَةِ. وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ أبي الصَّقْرِ وَأَبِي دَاوُد وَقَالَهُ الْحَارِثِيُّ. قَوْلُهُ (وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ أو حَاجَةِ الصِّغَارِ وفي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ فَلَهُ الْبَيْعُ على الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ). يَعْنِي إذَا امْتَنَعَ الْكِبَارُ من الْبَيْعِ أو كَانُوا غَائِبِينَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه. وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الأزجى. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَشَرْحِ الْحَارِثِيِّ. قال في الْفَائِقِ وَالْمَنْصُوصُ الْإِجْبَارُ على بَيْعِ غَيْرِ قَابِلٍ لِلْقِسْمَةِ إذَا حَصَلَ بَيْعُ بَعْضِهِ نَقْصٌ وَلَوْ كان الْكُلُّ كِبَارًا وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ. نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ وَذَكَرَهُ في الشَّافِي. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلشَّرِيكِ لَا بِقِيمَةِ النِّصْفِ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْفَائِقِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ليس له الْبَيْعُ على الْكِبَارِ وهو أَقْيَسُ. فَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.
. قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّهُ لَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ. وَقِيلَ يَبِيعُ بِقَدْرِ حِصَّةِ الصِّغَارِ وَقَدْرِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ إنْ كانت. وقال في الرِّعَايَةِ قُلْت إنْ قُلْنَا التَّرِكَةُ لَا تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ مع الدَّيْنِ جَازَ بَيْعُهُ لِلدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا لو كان الْكُلُّ كِبَارًا وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أو وَصِيَّةٌ بَاعَهُ الْمُوصَى إلَيْهِ إذَا أَبَوْا بَيْعَهُ وَكَذَا لو امْتَنَعَ الْبَعْضُ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ. وَتَقَدَّمَ ذلك في كَلَامِ صَاحِبِ الْفَائِقِ. الثَّانِيَةُ لو مَاتَ شَخْصٌ بِمَكَانٍ لَا حَاكِمَ فيه وَلَا وصى جَازَ لِمُسْلِمٍ مِمَّنْ حَضَرَهُ أَنْ يَحُوزَ تَرِكَتَهُ وَيَعْمَلَ الْأَصْلَحَ فيها من بَيْعٍ وَغَيْرِهِ. على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ لَا يَبِيعُ الْإِمَاءَ ذَكَرَهُ في الْفُرُوعِ. وقال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يَبِيعُ ما يَخَافُ فَسَادَهُ وَالْحَيَوَانَ وَلَا يَبِيعُ رقيقة إلَّا حَاكِمٌ. وَعَنْهُ يلى بَيْعَ جَوَارِيهِ حَاكِمٌ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا إلَى وَرَثَتِهِ أو مُكَاتَبَتُهُمْ لِيَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوهَا انْتَهَى. وَيُكَفِّنَهُ من التَّرِكَةِ إنْ كانت ولم تَتَعَذَّرْ وَإِلَّا كَفَّنَهُ من عِنْدِهِ وَرَجَعَ على التَّرِكَةِ إنْ كانت وَإِلَّا على من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ ولم يُوجَدْ حَاكِمٌ. فَإِنْ تَعَذَّرَ إذْنُهُ أو أَبَى الْإِذْنَ رَجَعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ فيه وَجْهَانِ كَإِمْكَانِهِ ولم يَسْتَأْذِنْهُ ولم يَنْوِ مع إذْنِهِ.
فائدة: الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَهِيَ في الْأَصْلِ اسْمُ مَصْدَرٍ وَالِاسْمُ الْفَرِيضَةُ وَتُسَمَّى قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضَ. قال الْمُصَنِّفُ هُنَا وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ وقال في الْكَافِي وَالزَّرْكَشِيِّ هِيَ الْعِلْمُ بِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا حَذْفٌ لِيُوَافِقَ ما في الْكَافِي. وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى هِيَ مَعْرِفَةُ الْوَرَثَةِ وَسِهَامِهِمْ وَقِسْمَةُ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ. وقال في الصُّغْرَى هِيَ قِسْمَةُ الْإِرْثِ. وَقُلْت مَعْرِفَةُ الْوَرَثَةِ وَحُقُوقِهِمْ من التَّرِكَةِ. قَوْلُهُ (وَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ رَحِمٌ وَنِكَاحٌ وَوَلَاءٌ). فَ الرَّحِمُ الْقَرَابَةُ والنكاح عَقْدُهُ وَإِنْ عرى عن الْوَطْءِ وَالْوَلَاءُ نِعْمَةُ السَّيِّدِ على رَقِيقِهِ بِعِتْقِهِ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ وَارِثًا مَوْرُوثًا. قال في الرِّعَايَةِ وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ نَسَبٌ خَاصٌّ وَنِكَاحٌ خَاصٌّ وَوَلَاءُ عِتْقٍ خَاصٌّ وَنَحْوُهُ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ لَا غَيْرُ وَأَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ بِغَيْرِهِمْ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ (أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَاقَدَةِ وَإِسْلَامِهِ على يَدِهِ وَكَوْنِهِمَا من أَهْلِ الدِّيوَانِ وَلَا عَمَلَ عليه). زَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ في الرِّوَايَةِ وَالْتِقَاطِ الطِّفْلِ . وَاخْتَارَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ يَرِثُونَ عِنْدَ عَدَمِ الرَّحِمِ وَالنِّكَاحِ وَالْوَلَاءِ. وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ أَيْضًا. وَقِيلَ يَرِثُ عَبْدٌ سَيِّدَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وقال في السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَرَّثَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمَوْلَى من أَسْفَلَ من معتقة. وَنَقَل ابن الْحَكَمِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ سُئِلَ عن ذلك فقال لَا أَدْرِي. وَيَأْتِي في أَوَّلِ بَابِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ رِوَايَةٌ بِإِرْثِ الْعَبْدِ من قَرِيبِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ وَقَوْلٌ بِإِرْثِ الْمُكَاتَبِ من عَتِيقِهِ في صوره.
فائدة: الْمُوَالَاةُ هِيَ الْمُؤَاخَاةُ والمعاقدة هِيَ الْمُحَالَفَةُ. قَوْلُهُ (وَالْوَارِثُ ثَلَاثَةٌ ذَوُو فَرْضٍ وَعَصَبَاتٍ) بِلَا نِزَاعٍ (وَذَوُو رَحِمٍ). على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَرِثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَيَأْتِي ذلك في بَابِهِ.
فائدتان: إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ في عَدَدِهِمْ (وَالْأَخُ من الْأُمِّ). قال في الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ وقد يُعَصِّبُ أُخْتَهُ من غَيْرِ أبيه بِمَوْتِ أُمِّهِ عنهما. قُلْت في هذا نَظَرٌ ظَاهِرٌ فإن الْأُمَّ إذَا مَاتَتْ عنهما لَا يَرِثَانِ منها إلَّا بِكَوْنِهِمَا أَوْلَادًا لَا بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَخَ الْآخَرِ لِأُمِّهِ. غَايَتُهُ أَنَّهُمَا أَخٌ وَأُخْتٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا من أَبٍ وَالْإِرْثُ من الْأُمِّ وَهِيَ وَاحِدَةٌ وَالتَّعْصِيبُ إنَّمَا حَصَلَ لكونهم [لكونها] أَوْلَادًا لَا لِكَوْنِهِمْ إخْوَةً لِأُمٍّ. فَعَلَى ما قَالَا يُعَايَى بها. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ (وَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ إذَا كان لها وَلَدٌ أو وَلَدُ بن والنصف [النصف] مع عَدَمِهِمَا وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ إذَا كان لها وَلَدٌ أو وَلَدُ بن وَالرُّبُعُ مع عَدَمِهِمَا). وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا. فَلَوْ كان فَاسِدًا فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه في رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَجَعْفَرِ بن مُحَمَّدٍ وَتَوَقَّفَ في رِوَايَةِ ابن منصور. وَأَمَّا إذَا كان بَاطِلًا فَلَا تَوَارُثَ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ (وَلِلْجَدِّ حَالٌ رَابِعٌ وهو مع الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ من الْأَبَوَيْنِ أو لِأَبٍ فإنه يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ). هذا مبنى على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ من أَنَّ الْجَدَّ لَا يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ. وَعَنْهُ يُسْقِطُ الْجَدُّ الْإِخْوَةَ اخْتَارَه ابن بَطَّةَ. قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وأبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ والآجرى وَذَكَرَه ابن الْجَوْزِيِّ عن أبي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ أَيْضًا وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَحَدِيثُ أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ ضَعَّفَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ. قال ابن الْجَوْزِيِّ الآجرى من أَعْيَانِ أَعْيَانِ أَصْحَابِنَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ لم يَفْضُلْ عن الْفَرْضِ إلَّا السُّدُسُ فَهُوَ له وَسَقَطَ من معه منهم إلَّا في الْأَكْدَرِيَّةِ). تَسْتَحِقُّ الْأُخْتُ في الْأَكْدَرِيَّةِ جُزْءًا من التَّرِكَةِ وَقَدْرُهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ من سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَقِيلَ لَا تَرِثُ الْأُخْتُ مع الْجَدِّ فيها فَتَسْقُطُ كما لو كان مَكَانَهَا أخ.
فائدة: سُمِّيَتْ أَكْدَرِيَّةً لِتَكْدِيرِهَا أُصُولَ زَيْدٍ رضي اللَّهُ عنه في الْجَدِّ في الْأَشْهَرِ عنه. وَقِيلَ إنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بن مَرْوَانَ سَأَلَ عنها رَجُلًا اسْمَهُ الْأَكْدَرُ فَنُسِبَتْ إلَيْهِ. وَقِيلَ سُمِّيَتْ أَكْدَرِيَّةً بِاسْمِ السَّائِلِ عنها. وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ كان اسْمُهَا أَكْدَرَةُ. وَقِيلَ لِأَنَّ زَيْدًا رضي اللَّهُ عنه كَدَّرَ على الْأُخْتِ مِيرَاثَهَا وَقِيلَ لِتَكَدُّرِ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ فيها وَكَثْرَةِ اخْتِلَافِهِمْ.
فائدة: قَوْلُهُ (وَإِنْ لم يَكُنْ فيها زَوْجٌ سُمِّيَتْ الْخَرْقَاءَ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فيها). فَكَأَنَّ أَقْوَالَهُمْ خَرَقَتْهَا. وَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ فيها سَبْعَةٌ وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُسَبَّعَةَ وَتَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُسَدَّسَةَ. وَاخْتَلَفَ فيها خَمْسَةٌ من الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وابن مَسْعُودٍ وَزَيْدٌ وابن عَبَّاسٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ على خَمْسَةِ أَقْوَالٍ وَلِهَذَا تُسَمَّى الْمُخَمَّسَةَ. وَتُسَمَّى الْمُرَبَّعَةَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّه ابن مَسْعُودٍ رضي اللَّهُ عنه جَعَلَ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي بين الْجَدِّ وَالْأُمِّ نِصْفَانِ وَتَصِحُّ من أَرْبَعَةٍ. وَتُسَمَّى الْمُثَلَّثَةَ وَالْعُثْمَانِيَّةَ أَيْضًا لِأَنَّ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنه قَسَّمَهَا على ثَلَاثَةٍ. وَتُسَمَّى أَيْضًا الشَّعْبِيَّةَ وَالْحَجَّاجِيَّةَ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ سَأَلَ عنها الشَّعْبِيَّ امْتِحَانًا. فَأَصَابَ فَعَفَا عنه.
فائدة: لو عُدِمَ الْجَدُّ من الْأَكْدَرِيَّةِ سُمِّيَتْ الْمُبَاهَلَةَ لِأَنَّ ابن عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنه لَمَّا سُئِلَ عنها لم يَعْلَمْهَا وقال من شَاءَ بَاهَلْته فَسُمِّيَتْ الْمُبَاهَلَةَ لِذَلِكَ. وَتَأْتِي قِصَّتُهَا في أَوَّلِ بَابِ أُصُولِ الْمَسَائِلِ.
فائدة: قَوْلُهُ (فَإِنْ كان جَدٌّ وَأُخْتٌ من أَبَوَيْنِ وَأُخْتٌ من أَبٍ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ على أَرْبَعَةٍ لِلْجَدِّ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ ثُمَّ رَجَعَتْ الْأُخْتُ من الْأَبَوَيْنِ فَأَخَذَتْ ما في يَدِ أُخْتِهَا كُلَّهُ). فَيُعَايَى بها. فَيُقَالُ امْرَأَةٌ حُبْلَى جَاءَتْ إلَى قَوْمٍ فقالت لِلْوَرَثَةِ لَا تَعْجَلُوا إنْ أَلِدْ أُنْثَى لم تَرِثْ وَإِنْ أَلِدْ أُنْثَيَيْنِ أو ذَكَرًا وَرِثَ الْعُشْرَ فَقَطْ وَإِنْ أَلِدْ ذَكَرَيْنِ وَرِثَا السُّدُسَ فَهِيَ أُمُّ الْأُخْتِ من الْأَبِ في هذه الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ (وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ لها السُّدُسُ وهو مع وُجُودِ الْوَلَدِ أو وَلَدِ الِابْنِ أو اثْنَيْنِ من الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. أَمَّا مع وُجُودِ الْوَلَدِ أو وَلَدِ الِابْنِ فإن لها السُّدُسَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مع وُجُودِ الِاثْنَيْنِ من الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ فَلَهَا السُّدُسُ أَيْضًا. على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ كَانُوا مَحْجُوبِينَ أو لَا. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْإِخْوَةَ لَا يَحْجُبُونَ الْأُمَّ من الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ إلَّا إذَا كَانُوا وَارِثِينَ مَعَهَا فَإِنْ كَانُوا مَحْجُوبِينَ بِالْأَبِ وَرِثَتْ السُّدُسَ فَلَهَا في مِثْلِ أَبَوَيْنِ وَأَخَوَيْنِ الثُّلُثُ عِنْدَهُ وَالْأَصْحَابُ على خلافة. قَوْلُهُ (وَحَالٌ لها ثُلُثُ ما بَقِيَ وَهِيَ مع زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ). هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وقد روى عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قال ظَاهِرُ الْقُرْآنِ لها الثُّلُثُ. وهو مَذْهَبُ ابن عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما. قال الْمُصَنِّفُ في المغنى وَالْحُجَّةُ معه لَوْلَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ انْتَهَى. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ تُسَمَّيَانِ الْعُمَرِيَّتَيْنِ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَحَالٌ رَابِعٌ وَهِيَ إذَا لم يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ لِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أو مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ فإنه مُنْقَطِعٌ تعصيبة من جِهَةِ من نَفَاهُ). لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ تَعْصِيبُهُ من غَيْرِ جِهَةِ من نَفَاهُ. مِثْلُ أَنْ تَلِدَ تَوْأَمَيْنِ فَيَرِثُ أَحَدُهُمَا من الْآخَرِ بِالْأُخُوَّةِ من الْأَبِ وهو رِوَايَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ من الْأَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ . وَقِيلَ يَرِثُ بِالْأُخُوَّةِ من الْأَبِ في وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَعَصَبَتُهُ عَصَبَةُ أُمِّهِ. مُرَادُهُ إذَا لم يَكُنْ له ابن وَلَا بن ابْنٍ فإذا لم يَكُنْ بن وَلَا بن ابْنٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ ما قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا. وَاخْتَارَهُ الخرقى وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ أنها هِيَ عَصَبَتُهُ. اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا في المغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَرِثُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ مع ابْنَتِهِ لَا أُخْتُهُ لِأُمِّهِ فَيُعَايَى بها. وَعَلَى الثَّانِيَةِ إنْ لم تَكُنْ الْأُمُّ مَوْجُودَةً فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ على الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ يُرَدُّ على ذَوِي الْفُرُوضِ فَإِنْ عُدِمُوا فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ. وَالتَّفْرِيعُ الْآتِي بَعْدَ ذلك على هذه الرِّوَايَاتِ وقد عَلِمْت الْمَذْهَبَ مِنْهُنَّ. قَوْلُهُ (وإذا مَاتَ بن الْمُلَاعَنَةِ وَخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَبَاقِيهِ لِلْجَدَّةِ). على الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذِهِ جَدَّةٌ وَرِثَتْ مع أُمٍّ أَكْثَرَ منها فَيُعَايَى بها. وَعَلَى الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ لِلْأُمِّ جَمِيعُ الْمَالِ. قَوْلُهُ في الْجَدَّاتِ (فَإِنْ كان بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ من بَعْضٍ فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ). وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ الخرقى وَالْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ أَنَّ الْقُرْبَى من جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى من جِهَةِ الْأُمِّ فَتُشَارِكُهَا وَهَذَا هو الْمَنْصُوصُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَهُ في الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي في جامعة. ولم يَعْزُ في كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى إلَّا إلَى الخرقى. وَصَحَّحَه ابن عَقِيلٍ في تَذْكِرَتِهِ. قال في إدْرَاكِ الْغَايَةِ تُشَارِكُهَا في الْأَشْهَرِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ والمغنى وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابن منجا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ جَدَّةً تَرِثُ مَعَهَا أُمُّهَا. مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ جَدَّةٌ هِيَ أُمُّ أبيه وَتَكُونُ أُمُّهَا أُمَّ أُمِّ الْمَيِّتِ. وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ أبو الْمَيِّتِ بِابْنَةِ خَالَتِهِ وَجَدَّتُهُ التي هِيَ أُمُّ خَالَتِهِ مَوْجُودَةٌ. وَكَذَلِكَ ابْنَتُهَا التي هِيَ أُمُّهُ ثُمَّ تُخَلِّفُ وَلَدًا فَيَمُوتُ الْوَلَدُ فَيُخَلِّفُ أُمَّ أبيه وَأُمَّهَا التي هِيَ أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ. فَيَشْتَرِكَانِ في الْمِيرَاثِ على هذه الرِّوَايَةِ فَيُعَايَى بها. قُلْت وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ إرْثِهَا على كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ. وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ في الْحَجْبِ لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى من الْجَدَّاتِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ (فَأَمَّا أُمُّ أبي الْأُمِّ وَأُمُّ أبي الْجَدِّ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا). أَمَّا أُمُّ أبي الْأُمِّ فَهِيَ من ذَوِي الْأَرْحَامِ على ما يَأْتِي. وَأَمَّا أُمُّ أبي الْجَدِّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أنها من ذَوِي الْأَرْحَامِ فَلَا تَرِثُ بِنَفْسِهَا فَرْضًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ تَرِثُ وَلَيْسَتْ من ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمِثْلُهَا أُمُّ جَدِّ الْجَدِّ وَلَوْ عَلَتْ أُبُوَّةً وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الخرقى فإنه قال وَكَذَلِكَ إنْ كَثُرَتْ. وَيَأْتِي ذلك أَيْضًا في أَوَّلِ بَابِ ذَوِي الْأَرْحَامِ في عَدَدِهِمْ. قَوْلُهُ (وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ). يَعْنِي سَوَاءٌ كان أَبًا أو جَدًّا كما لو كان عَمًّا اتِّفَاقًا وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا تَرِثُ. فَعَلَيْهَا لِأُمِّ الْأُمِّ مع الْأَبِ وَأُمِّهِ السُّدُسُ كَامِلًا على الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قال في الْقَوَاعِدِ وهو الصَّحِيحُ لِزَوَالِ الْمُزَاحَمَةِ مع قِيَامِ الِاسْتِحْقَاقِ لِجَمِيعِهِ. وَقِيلَ لها نِصْفُ السُّدُسِ مُعَادَاةً بِأُمِّ الْأَبِ التي لَا تَرِثُ على هذه الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ مَأْخَذَهُ في الْقَوَاعِدِ. وَكَذَلِكَ الْوَجْهَانِ إذَا كان مَعَهَا أُمُّ أُمِّ الْأَبِ إلَّا أَنْ تَسْقُطَ الْبُعْدَى بِالْقُرْبَى على الْقَوْلِ بِالْمُعَادَاةِ قَالَهُ في الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ مع أَخَوَيْنِ فَلَهَا ثُلُثَا السُّدُسِ في قِيَاسِ قَوْلِهِ). وهو الْمَذْهَبُ اخْتَارَهُ التَّمِيمِيُّ وَالْمُصَنِّفُ. وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ. وهو من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَعَنْهُ تَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا فَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمَّتِهِ فَجَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أُمِّ وَلَدِهِمَا وَأُمُّ أبي أبيه. وَلَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالَتِهِ فَجَدَّتُهُ أُمُّ أُمِّ أُمٍّ وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ.
فائدة: لو أَدْلَتْ جَدَّةٌ بِثَلَاثِ جِهَاتٍ تَرِثُ بها لم يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهَا جَدَّةٌ أُخْرَى وَارِثَةٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى تَرِثُ مَعَهَا رُبُعَ السُّدُسِ أو نِصْفَهُ على اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ في بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّهُ لو أُلْحِقَ بِأَبَوَيْنِ أَنَّ لأمى أَبَوَيْهِ اللَّذَيْنِ أُلْحِقَ بِهِمَا مع أُمِّ أُمٍّ نِصْفُ السُّدُسِ وَلِأُمِّ الْأُمِّ نِصْفُهُ فَيُعَايَى بها.
فائدة: قَوْلُهُ (فَإِنْ كانت بِنْتٌ وَبَنَاتُ بن فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ وَاحِدَةً كانت أو أَكْثَرَ من ذلك السُّدُسِ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ فَيُمْكِنُ عَوْلُهَا بهذا السُّدُسِ كُلِّهِ فَلَوْ عَصَّبَهَا أَخُوهَا وَالْحَالَةُ هذه فَهُوَ الْأَخُ الْمَشْئُومُ لِأَنَّهُ ضَرَّهَا وما انْتَفَعَ). ذَكَرَهُ في عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمَا. وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ مع الأخوة لِلْأَبَوَيْنِ. فَأَمَّا الْأُخْتُ من الْأَبِ وَهِيَ الْقَائِلَةُ إذَا كانت حَامِلًا مع زَوْجٍ وَأُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ إنْ أَلِدْ ذَكَرًا فَأَكْثَرَ أو ذَكَرًا وَأُنْثَى لم يَرِثَا وَإِنْ أَلِدْ أُنْثَى وَرِثَتْ فَيُعَايَى بها. وَكَذَا الْحُكْمُ في بَنَاتِ بن الِابْنِ مع بِنْتِ الِابْنِ.
تنبيه: ظَاهِرُ قَوْلِهِ في الْحَجْبِ (وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَةٍ بِالِابْنِ وَابْنِهِ وَالْأَبِ وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَبِالْأَخِ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّ الْجَدَّ لَا يُسْقِطُهُمْ). وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ كما تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَلِلْجَدِّ هذه الْأَحْوَالُ وَحَالٌ رَابِعٌ وَهِيَ مع الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ.
|